فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قيل: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهرا الإيمان ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. اهـ.

.قال القرطبي:

قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: هذه الآية مثل قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51]، و{لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين ونحو ذلك.
وروى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج إلى أحد جاءه قوم من اليهود فقالوا: نسِير معك؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «إنا لا نستعين على أمرِنا بالمشركين» وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي.
وأبو حنيفة جوّز الانتصار بهم على المشركين للمسلمين؛ وكتاب الله تعالى يدل على خلاف ما قالوه مع ما جاء من السنة في ذلك. والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية تقتضي امتياز أهل الكتاب عن الكفار لأن العطف يقتضي المغايرة، وقوله: {لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} [البينة: 1] صريح في كونهم كفارًا، وطريق التوفيق بينهما أن كفر المشركين أعظم وأغلظ، فنحن لهذا السبب نخصصهم باسم الكفر، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
معنى تلاعبهم بالدين واستهزائهم إظهارهم ذلك باللسان مع الإصرار على الكفر في القلب، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن} [البقرة: 14] والمعنى أن القوم لما اتخذوا دينكم هزوًا وسخرية فلا تتخذوهم أولياء وأنصارًا وأحبابًا، فإن ذلك الأمر خارج عن العقل والمروءة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا}.
استئناف هو تأكيد لبعض مضمون الكلام الّذي قبله، فإنّ قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياءَ} [المائدة: 51] تحذير من موالاة أهل الكتاب ليظهر تميّز المسلمين.
وهذه الآية تحذير من موالاة اليهود والمشركين الّذين بالمدينة، ولا مدخل للنصارى فيها، إذ لم يكن في المدينة نصارى فيهزأوا بالدّين.
وقد عدل عن لفظ اليهود إلى الموصول والصلة وهي {الّذين اتّخذوا دينَكم هزؤًا} الخ لما في الصلة من الإيمان إلى تعليل موجب النّهي.
والدّين هو ما عليه المرء من عقائد وأعمال ناشئة عن العقيدة، فهو عنوان عقل المتديّن وروائدُ آماله وباعث أعماله، فالذي يتخذ دين امرىء هزُؤًا فقد اتّخذ ذلك المتديِّن هزؤًا ورمَقه بعين الاحتقار، إذ عَدّ أعظَمَ شيء عنده سخرية، فما دون ذلك أوْلى.
والّذي يَرمُق بهذا الاعتبار ليس جديرًا بالموالاة، لأنّ شرط الموالاة التماثل في التّفكير، ولأنّ الاستهزاء والاستخفاف احتقار، والمودّة تستدعي تعظيم الودود.
وأريد بالكفار في قوله: {والكفار} المشركون، وهذا اصطلاح القرآن في إطلاق لفظ الكفّار، والمراد بذلك المشركون من أهل المدينة الّذين أظهروا الإسلام نفاقًا مثل رفاعة بن زيد، وسويد بن الحارث، فقد كان بعض المسلمين يوادّهما اغترارًا بظاهر حالهما.
روي عن ابن عبّاس: أنّ قومًا من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم.
وقال الكلبي: كانوا إذا نادى منادي رسول الله قالوا: صياح مثل صياح العَير، وتضاحكوا، فأنزل الله هذه الآية.
وقرأ الجمهور {والكفّارَ} بالنّصب عطفًا على {الّذين اتخذوا دينَكم} المبيَّن بقوله: {من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}.
وقرأ أبو عمرو، والكسائي، ويعقوب {والكفارِ} بالخفض عطْفًا على {الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}، ومآل القراءتين واحد.
وقوله: {واتّقوا الله إن كنتم مؤمنين} أي احذروه بامتثال ما نهاكم عنه.
وذكر هذا الشرط استنهاض للهمّة في الانتهاء، وإلهابٌ لنفوس المؤمنين ليظهروا أنّهم مؤمنون، لأنّ شأن المؤمن الامتثال.
وليس للشرط مفهوم هنا، لأنّ الكلام إنشاء ولأنّ خبرَ كان لَقب لا مفهوم له إذ لم يقصد به الموصوف بالتّصديق، ذلك لأنّ نفي التّقوى لا ينفي الإيمان عند من يُعتدّ به من علماء الإسلام الّذين فهموا مقصد الإسلام في جامعته حقّ الفهم.
وإذا أريد بالموالاة المنهي عنها الموالاة التّامة بمعنى الموافقة في الدّين فالأمر بالتّقوى، أي الحذر من الوقوع فيما نُهوا عنه معلّق بكونهم مؤمنين بوجه ظاهر.
والحاصل أنّ الآية مفسّرة أو مؤوّلة على حسب ما تقدّم في سالفتها {ومن يتوّلهم منكم فإنّه منهم} [المائدة: 51]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)}.
نَبَّهَهُم على وجوب التحيز عنهم والتميز منهم، فإن المخالف في العقيدة لا يكون موافقًا في الحقيقة.
ويقال: أَمَرَهم بأن يلاحظوهم بعين الاستصغار كما لاحظوا دين المسلمين بعين الاستحقار. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء}.
قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقًا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت.
ولما نهى تعالى المؤمنين عن اتخاذ الكفار والنصارى أولياء، نهى عن اتخاذ الكفار أولياء يهودًا كانوا أو نصارى، أو غيرهما.
وكرر ذكر اليهود والنصارى بقوله: من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وإن كانوا مندرجين في عموم الكفار على سبيل النص على بعض أفراد العام لسبقهم في الذكر في الآيات قبل، ولأنه أوغل في الاستهزاء، وأبعد انقيادًا للإسلام، إذ يزعمون أنهم على شريعة إلهية.
ولذلك كان المؤمنون من المشركين في غاية الكثرة، والمؤمنون من اليهود والنصارى في غاية القلة.
وقيل: أريد بالكفار المشركون خاصة، ويدل عليه قراءة عبد الله: ومن الذين أشركوا.
قال ابن عطية: وفرقت الآية بين الكفار وبين الذين أوتوا الكتاب، من حيث الغالب في اسم الكفر أن يقع على المشركين بالله إشراك عبادة الأوثان، لأنّهم أبعد شأوًا في الكفر.
وقد قال: {جاهد الكفار والمنافقين} ففرق بينهم إرادة البيان.
والجميع كفار، وكانوا عبدة الأوثان، هم كفار من كل جهة.
وهذه الفرق تلحق بهم في حد الكفر، وتخالفهم في رتب.
فأهل الكتاب يؤمنون بالله وببعض الأنبياء، والمنافقون يؤمنون بألسنتهم انتهى.
وقال الزمخشري: وفصل المستهزئين بأهل الكتاب على المشركين خاصة انتهى.
ومعنى الآية: أنّ من اتخذ دينكم هزوًا ولعبًا لا يناسب أنْ يتخذ وليًا، بل يعادي ويبغض ويجانب.
واستهزاؤهم قيل: بإظهار الإسلام، وإخفاء الكفر.
وقيل: بقولهم للمسلمين: احفظوا دينكم ودوموا عليه فإنه الحق، وقول بعضهم لبعض: لعبنا بعقولهم وضحكنا عليهم.
وقال ابن عباس: ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم، وتقدم القول في القراءة في هزؤًا.
وقرأ النحويان: والكفار خفضًا.
وقرأ أبي: ومن الكفار بزيادة من.
وقرأ الباقون: نصبًا وهي رواية الحسين الجعفي عن أبي عمرو، وإعراب الجر والنصب واضح.
{واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} لما نهى المؤمنون عن اتخاذهم أولياء، أمرهم بتقوى الله، فإنها هي الحاملة على امتثال الأوامر واجتناب النواهي.
أي: اتقوا الله في موالاة الكفار، ثم نبه على الوصف الحامل على التقوى وهو الإيمان أي: من كان مؤمنًا حقًا يأبى موالاة أعداء الدّين. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا}.
فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِنْصَارِ بِالْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمْ الْأَنْصَارُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى أُحُدٍ جَاءَ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ وَقَالُوا: نَحْنُ نَخْرُجُ مَعَك، فَقَالَ: إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ»، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُقَاتِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُودِ غَزَوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَ لَهُمْ كَمَا قَسَمَ لِلْمُسْلِمِينَ».
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن نِيَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ يَحْيَى: «إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَاتِلَ مَعَهُ فَقَالَ: ارْجِعْ ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ: إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ».
وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانُوا مَتَى ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ، فَأَمَّا إذَا كَانُوا لَوْ ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الشِّرْكِ هُوَ الْغَالِبُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ.
وَمُسْتَفِيضٌ فِي أَخْبَارِ أَهْلِ السِّيَرِ وَنَقَلَةِ الْمَغَازِي: أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَغْزُو وَمَعَهُ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَفِي بَعْضِهَا قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ».
وَأَمَّا وَجْهُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: «إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَثِقْ بِالرَّجُلِ وَظَنَّ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَرَدَّهُ وَقَالَ: «إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ» يَعْنِي بِهِ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا}.
والهُزُوُ هو السُّخرية والتَّنكيت. وهُزْء أهل الكتاب من أهل الحق لون من الانفعال العكسى. فساعة يرى بعض أهل الباطل واحدًا ملتزمًا يُصلّي ولا يُحملق في النساء قد يصفونه بصفات غير لائقة؛ لأنهم لا يستقبلون التزامه إلا بلونٍ من السخرية، وحتى لا يفهم أنه خيرٌ منهم، وقد يضلونه فيتبعهم.